دفع شبهة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام  على  سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيب رب العالمين. اما بعد:

مِنْ أشدِّ شُبَهِ المشبهةِ التي يُمَوهونَ  بها على الناس ِقولُهُم :

  إذا قلتُم إنَّ الله  موجودٌ  بلا  مكان ٍ فقد  نفيتُم وجودَهُ.

والجوابُ على هذه الشبهةِ سهلٌ  وهو أنْ  يُقال :

 إنَّ الله تعالى هو خالقُ كلِّ  شىء، ومِنْ جُملَة ِ ذلك المكان،
وقد كانَ  اللهُ  تعالى  موجودًا قبلَ أن يَخلقَ المكان بلا مكان،
 
ومعلومٌ عند العقلاءِ  أنَّ الله  لا  يتغير ، فيُقال :
كما صحَّ في العقل ِ وجودُ الله قبلَ خلق ِ المكان ِ بلا مكان ٍ ، صحَّ  وجودُهُ  بعد خلق ِ المكان ِ بلا مكان ،
 وهذا لا يكون نفيًا لوجودِهِ  تعالى
.
 
ثم  يُقالُ لهم  :
المكانُ هو الفراغ ُ الذي يشغلُهُ الحجم ، فكلُّ ما كانَ  في مكان ٍ لا بدَّ أن يكونَ  حجمًا،
 وكلُّ حجم ٍ محدودٌ والمحدودُ  يَحتاجُ  إلى  مَنْ خصَّهُ بالحَدِّ الذي هو عليه  دونَ  سواهُ  مِنَ  الأكبرِ  أو  الأصغرِ , والمُحتاج ُ لا يكونُ  إلــهًا. 
 فَثبَتَ أنَّ  الله تعالى موجودٌ  بلا مكان لأنه ليس حجمًا ، وهذا مِن حيث ُ العقل.
 
   أما مِنْ حيثُ النقل ِ فقد قال الله تعالى
: *( ليسَ كمِثلِهِ شَىءٌ)*
وهي أعظمُ ءايةٍ في تنزيهِ الله عن مشابَهَةِ  الخلق
، وفيها دليلٌ على نفي المكان ِ عن الله،
 وقولِهِ تعالى: *(
وكلُّ شَىءٍ عِندَهُ بِمِقدارٍ)*    

فيه دليلٌ على نفي ِالمكان ِعن ِالله ِ، لأنّ معنى الايةِ أنَّ الله  خَلقَ كل شىءٍ على مقدارٍ أي على كمِّيِة مَخصوصة ٍ ،
والكمِّيِة ُمعناها الحجم ُوكلُّ حجم ٍ يشغلُ حيّزًا من الفراغ ِ  أي له مكانٌ سواءٌ كان حجما لطيفًا أي لا يُمسكُ  باليد ِ كالرّيحِ والروح ِ والنور ِ والظلام ِ ،أو كانَ  حجمًا  يُمسَكُ باليد ِ كالحجر ِ والشجر ِ والماء ِ والإنسان ِ
كلٌّ  له مقدارٌ وكلٌّ  له مكان،

 أما الله الذي خلقَ  كلّ الأحجام ِ فلا يجوزُ أن يكونَ  حجمًا لأنه لو  كان حجمًا لكان له أمثالٌ  كثيرٌ .

 ثم العقلُ  السليم ُ يقولُ  إنَّ  أحدَ  المتماثلين لا يجوزُ أن يكونَ خالقًا لِمثلِهِ، 
 لأنَّ المتماثلات ِ عقلا ً يجوزُ عليها ما يَجوزُ على بعضها مِنَ التغيرِ  والفناء ِ وغير ذلك . 

وقد ثبتَ  في الحديث ِ الصحيح ِ الذي رواه ُ مسلمٌ أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم قال :

 (( اللّهم أنت الأولُ  فليسَ  قبلكَ  شىء وأنتَ الآخرُ فليسَ بعدَكَ  شىء 
وأنتَ  الظاهرُ  فليس فوقَكَ شىء وأنتَ الباطنُ  فليسَ  دونَكَ شىء ))

 ومَنْ لمْ يكن فوقَهُ  شىءٌ  ولا دونَهُ شىء  لم يكن في مكان .

وقد ثبتَ في كلام السلف الصّالِح تنزيه ُ الله عن المكان ِ، من ذلك :
ما رواه ُالحافظ ُ أبو نُعيْم في كتاب ِ حِليةِ الأولياء  أنَّ عليَّ بنَ أبِي طالب ٍ قال :

(( مَنْ زعمَ أنّ إلــهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود )).
وروى الحافظ ُاللّغويُّ الفقيهُ  مُحمّد مُرتضى الزبيدي بالإسناد المتصل ِ إلى زين ِ العابدين
عليّ بن ِ الحُسين رضي الله عنهم أنه قال :

 ((سبحانك أنت الله لا يحويك مكان، لست بمحدود ٍ فَتُحَدّ))،
 وهذا دليل ٌ على أنَّ السلفَ  الصالِحَ  كانوا على عقيدَة ِ الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم  وهي أنَّ:
 
الله تعالى
 موجود ٌ بلا مكان .